لنفترض جدلاً أنك ممثل وقد عرض عليك دور هام في فيلم جديد، وبعد اطلاعك عليه كنت واثقاً من نجاحه، لذا وبدلاً من أن تتقاضى أجراً ثابتاً، فقد طلبت أن تحصل على نسبة مثل 5٪ من أرباح الفيلم.
الآن لنفترض أن الفيلم نجح حقاً، وحقق عائدات تتجاوز مليار دولار أمريكي في شباك التذاكر، كم تعتقد أنك ستربح؟ بالطبع أنت لن تحصل على 50 مليون دولار، بل أنك وفي أكثر من 80٪ من الحالات لن تحصل على دولار واحد حتى في هذه الحالة.
في الواقع، أسوأ ما يمكن لممثل أن يطلبه كأجر هو حصة من الأرباح، فالغالبية العظمى من أفلام هوليوود لا تحقق أية أرباح، بل أنها عادة ما تخسر عشرات أو مئات الملايين من الدولارات. لكن هذا ليس بسبب المبيعات الضعيفة أو التكاليف العالية، بل أنه أمر مقصود تماماً حيث يصمم كل شيء لتكون الأفلام خاسرة وتبقى خاسرة.
قد يكون السؤال الذي يراودك الآن هو: كيف من الممكن لشركات إنتاج الأفلام أن تنمو لتصبح قيمتها مئات المليارات من الدولارات بينما أفلامها تخسر المال وبكثرة؟ الجواب هنا هو أن خسارات الأفلام ليست خسارات حقيقية، بل أنها حيل من المحاسبين لغايات متعددة.
لفهم سبب هذا الأمر وكيف يعمل أصلاً، من المهم فهم الفرق بين العائدات والأرباح، ومعرفة طريقة عمل إنتاج الأفلام حتى. وبمعرفة الأمرين معاً يصبح من المفهوم كيف من الممكن لفيلم حقق قرابة مليار دولار أمريكي من العائدات مثل Harry Potter and the Order of the Phoenix أن يكون على الورق خاسراً بمئات الملايين.
ما هو الفرق بين العائدات والأرباح
لنفترض أنك تمتلك متجراً ما، وضمنه العديد من السلع. وخلال واحد من الأيام قمت ببيع سلع بقيمة تزيد عن 1000 دولار أمريكي، كم من المال ستكون قد ربحت؟
بالطبع لن تربح 1000 دولار من بيع بضائع بقيمة 1000 دولار، بل أن ربحك هو المال المتبقي لديك بعد أن تطرح التكاليف التي دفعتها سابقاً للحصول على البضائع، وعليك إضافة أجور العاملين وأجور المتجر الذي تستخدمه والضرائب المفروضة وسواها، لتجد بالمحصلة أن هامش الربح عادة ما يكون صغيراً نسبياً.
بالنسبة للأفلام الأمر مشابه في الواقع، حيث هناك التكاليف الواضحة التي تتضمن أجور المخرج والممثلين وطاقم العمل والمونتاج وسواهم، لكن بالإضافة لهم هناك أجور كبيرة للتوزيع والإعلان والحملات التسويقية وعمليات الدوبلاج وحتى حقوق استخدام الموسيقى أو الأغاني أو العلامات التجارة أو سواها.
بالطبع وحتى عندما تحتسب كل المصاريف التي تصرف على فيلم سينمائي أو أي منتج آخر، يجب أن تكون هذه المبالغ أقل من المال الذي تحصل عليه كعائدات لك. ففي حال تجاوزت مصاريفك العائدات لن تحقق أي ربح حقيقي بل أنك ستعاني من الخسارة، وبالطبع لا أحد يريد دخول عمل خاسر من أي نوع.
من حيث المبدأ تقدم الغالبية العظمى من الأفلام أرباحاً جيدة نسبياً بالنسبة للاستثمارات الأولية فيها. لكن هذه الأرباح لا تظهر أبداً على حسابات الأفلام، ومن الصعب تقدير الأرقام الحقيقية للأرباح لأن الأفلام نادراً ما تكشف عن تكاليفها الكاملة، وعادة ما يكشف عن التكاليف الأساسية فقط مثل أجور الممثلين والمخرج وطاقم العمل.
خلق الشركات الوهمية بدلاً من الإنتاج المباشر
لنقل إن شركة Disney قررت إنتاج فيلم جديد ضمن إحدى السلاسل التي تمتلكها، المنطقي بالطبع هو أن تتعاقد الشركة مع المخرج والممثلين بشكل مباشر، ومن ثم تقوم بإنتاج الفيلم والتسويق له وحصد أرباحه. لكن في الواقع ما يحصل هو أن Disney أو أي شركة إنتاج سينمائي أخرى لا تفعل أي شيء بشكل مباشر، بل تؤسس شركة جديدة مستقلة ومملوكة من قبلها، وهذه الشركة الجديدة والمؤقتة هي التي تقوم بإنتاج الفيلم وجمع عائداته.
بالطبع لا تتم عملية صنع شركة جديدة سدىً، بل أنها تستخدم بشكل يسمح بالعبث بالحسابات. ففي حال كلف فيلم ما 30 مليون دولار لتصويره، من الممكن أن تضاف مبالغ هائلة مثل 300 مليون دولار للتسويق، و200 مليون للتوزيع، وربما 100 مليون إضافية لحقوق استخدام السيناريو، وهكذا. بالمجموع عادة ما تصمم الموازنة بحيث تكون هذه المدفوعات أكبر من أي ربح من الممكن للفيلم أن يحصل عليه.
بالطبع تتعاقد الشركة الجديدة مع شركتها الأم لتقوم بعمليات التسويق والتوزيع ومنح الحقوق وسواها، أي أن الأموال لا تدفع أصلاً بين الشركتين، بل أنها تسجل على الورق فقط كمبالغ مدفوعة هائلة. ومن هنا يأتي سر الخسائر المستمرة للأفلام.
في حال أردت حساب ربح أي فيلم، عليك أن تنظر إلى الشركة الصغيرة التي أنتجته، وبالنظر إلى حساباتها الأرجح أنك ستصدم من كمية الأموال المدفوعة التي تجعل العائدات بعيدة عن أن تعكس أي ربح حقيقي. لكن إذا أردت الأرباح الحقيقية، فالأرجح أنك لن تتمكن من الوصول إليها أبداً، حيث أنك ستحتاج للوصول إلى دفاتر حسابات الشركة الأم، ومن هناك تميز بين المبالغ المدفوعة للشركة والتكاليف الحقيقية للإعلان والتوزيع، وحتى احتساب أجور العاملين في الشركة.
لماذا تستمر شركات الإنتاج باستخدام هذه الطرق المضللة من الحسابات؟
السبب ببساطة هو الحصص التي عادة ما يصر عليها الممثلون والكتاب والمخرجون وسواهم، حيث من الشائع أن تتضمن شروط التعاقد حصصاً من الأرباح للعديد من الجهات المختلفة، لكن طالما أن الأرباح غير موجودة أصلاً على الورق، فمن الممكن تجاهل هذه النسب في أوقات لاحقة وإخطار المطالبين بنسبهم بأن الفيلم لا يزال خاسراً ولم يحقق أي ربح مالي.
في الواقع هناك مئات الأمثلة للأفلام التي نجحت بشكل كبير وتضمنت خسارات على الورق لمنع ممثلين أو كتاب ومؤلفين من الحصول على حصصهم، وتتضمن بعض الأسماء البارزة:
- فيلم Forrest Gump الصادر عام 1994 والذي حقق عائدات تتجاوز 678 مليون دولار أمريكي.
- فيلم Star Wars: Return of the Jedi الصادر عام 1983 والذي حقق عائدات تتجاوز 475 مليون دولار أمريكي.
- فيلم Harry Potter and the Order of the Phoenix الصادر عام 2007 والذي حقق عائدات تتجاوز 940 مليون دولار أمريكي.
حالياً يعتقد أن 80٪ من الأفلام على الأقل تستخدم هذا النوع من العبث بالحسابات، حيث عادة ما تسمى الممارسة ”حسابات هوليوود“ Hollywood Accounting للسخرية من كونها أقرب للاحتيال من كونها عملية حسابات معتادة.
ما هو موقف القانون من هذه العملية؟
من حيث المبدأ، تعتبر عملية العبث بالحسابات هذه قانونية، حيث عادة ما يوقع الممثلون والمخرجون والكتاب على عقود تتضمن بنوداً استباقية تؤكد أن الأرباح تحتسب وفق طرق محاسبة الشركة التقليدية، أي أن الشركة تمتاك الحرية الكاملة لوضع أية قيم تريدها وإنتاج أية أرباح أو خسائر وهمية عندما تريد.
بالطبع فكون الأمر قانونياً نظرياً لا يعني أنه يمر بسلام، بل أن هناك عدة قضايا مثيرة للاهتمام تضمنت انتصارات لمالكي نسب الأرباح على الاستديوهات التي تعبث بأرقام حساباتها. حيث سبق أن أقيمت دعاوى قضائية ضد الشركات المنتجة لكل من فيلمي Forrest Gump (لسنة 1994) و Coming To America (لسنة 1988). وكل من الحالتين انتهيتا بتسوية مالية لأصحاب الحقوق دون كشف تفاصيلها.
لاحقاً وفي عام 2005، قام مؤلف القصص الرسومية الشهير Stan Lee بالمقاضاة لقاء نسبته كونه هو من صنع شخصيات X-men المختلفة وشخصية Spiderman. وكما العديد من المحاكمات في المجال انتهى الأمر بفوز Stan Lee بالقضية وحصوله على التعويضات.
بالطبع فكون رفع دعاوى قضائية ممكناً لا يعني أن الجميع سيفعل ذلك، بل أن تكاليف الدعاوى القضائية والجهود الكبرى المتعلقة بها، وعندما نضيف صعوبة حصر أو إثبات الأرباح أصلاً حتى عند الوصول إلى دفاتر حسابات الشركات المالكة يصبح الموضوع غير مشجع أبداً.
بعد كل قضية كبرى تتعلق بنسب الأرباح، كان الجميع يتوقع أن الموضوع سينتهي تماماً كونه تم افتضاحه وبات غير فعال، لكن مستمر بقوة حتى اليوم، لأنه ليس مصمماً للاستديوهات التي لا تريد مشاركة أرباحها فحسب، بل أنه مفيد للمثلين في الكثير من الحالات.
لماذا يستمر الممثلون بقبول حصص من الأرباح وهم يعرفون أنها دون قيمة؟
على الرغم من أن خدعة حصص الأرباح كانت مصممة لخداع الممثلين والمخرجين والكتاب في الماضي، فالجميع يعرفها جيداً اليوم. وأي شخص يعمل في المجال السينمائي مدرك تماماً لكون الأفلام لا تربح نظرياً، وبالتالي لا فائدة من طلب حصص من الأرباح.
مع أن الممثلين يدركون كون حصصهم من الأرباح دون قيمة مالية، فهم لا يزالون يطالبون بحصص الأرباح حتى اليوم، وبالأخص عندما يكون الأجر المعروض على الممثل أقل مما يتقاضاه عادة، مما يجعل قبوله للأجر مؤشراً سلبياً يضر بكل مفاوضات الأجر التالية له.
في الواقع يعتمد الكثير من الممثلين اليوم على نسب الأرباح الوهمية كطريقة لخلق وهم كونهم يتقاضون مبالغ كبيرة، وبالتالي تحسين فرصهم في المفاوضات التالية. فالقول بأن عقداً ما بقيمة 10 ملايين دولار لا يعني بالضرورة أن الممثل حصل على المال، بل كثيراً ما يكون الأجر الحقيقي مجرد 10 أو حتى 5٪ من الأرقام المعلنة، فيما البقية هي سقف حصة من الأرباح التي يعرف الجميع أنها لن تكون موجودة أصلاً.
TTT