عاش الفرعون المصري (توت عنخ آمون) وحكم مصر في الألفية الثالثة قبل الميلاد، خلال زمنٍ شهدت مصر فيه هدوءاً وسلاماً نسبيين وازدهاراً في قلب تلك الواحة الصحراوية. خاضت مصر بضعة حروبٍ مع جيرانها الحيثيين، بالرغم من أن المنطقة تشهد حروباً باستمرار.
كانت فترة حكم الفرعون قصيرة، ربما لم تستمر لأكثر من عقد من الزمن. لكن اليوم، أصبح (توت عنخ آمون) واحداً من أهم الشخصيات في تاريخ مصر القديم، مما دفع السياح إلى المجيء من جميع أصقاع العالم لرؤية مقبرة الفرعون في مصر.لا نبالغ عندما نقول أن شعبية (توت عنخ آمون) أقوى بكثير من شعبيته عندما كان حياً ويحكم مصر! بدأت قصة الفرعون في التكشف عام 1922، عندما اكتشف (هاورد كارتر) وفريقه من الباحثين وعلماء الآثار مقبرة مدفونة في الرمال ضمن وادي الملوك. ولكن كي نكمل الحديث عن هذه الشخصية المثيرة للجدل، لا بدّ لنا من التعرّف أولاً على لمحة تاريخية بسيطة عنها، لذا تابعوا معنا.
لمحة عن توت عنخ آمون
وُلد (توت عنخ آمون) نحو العام 1341 قبل الميلاد، كان والده (أخناتون)، وهو فرعون شديد البأس قمع الديانة القائمة على تعدد الآلهة، كـ إيزيس وأوزيرس وحورس وغيرهم… والتي كان المصريون يعبدونها، ووضع محلّها مذهب التوحيد وعبادة إله الشمس (أتون). كان اسم (توت) بالولادة هو (توت عنخ أتون)، والتي تعني «الصورة الحية لأتون». غيّر الفرعون اسمه إلى (توت عنخ آمون)، والتي تعني «الصورة الحية لأمون». وآمون هو أحد الآلهة الرئيسيين في الميثولوجيا المصرية القديمة.
توفي (أخناتون) نحو العام 1334 قبل الميلاد، كان عمر (توت) عندها 7 سنوات. ولأنه كان صغيراً جداً للحكم، استلم العرش ملكين أصغر درجة، وتربّع (توت عنخ آمون) على عرش مصر نحو العام 1332، عندها كان عمره 9 أو 10 سنوات. وبما أنه «صورة حية لأتون»، فأبرز أحداث عصره هو تحوّل الشعب إلى عبادة (أتون) والعودة مجدداً إلى عبادة الآلهة المتعددة بدلاً من ديانة التوحيد. لم يستمر حكمه سوى 9 أو 10 سنوات، لكن تلك السنوات القليلة كانت بالغة الأهمية.
اكتشف (هاورد كارتر) مقبرة الفرعون عام 1922 كما شرحنا مسبقاً، وبما أنه كان صبياً صغيراً، فكان وجود فرعونٍ صغير يحكم مصر أمراً مثيراً للاهتمام، خاصة مع اعتقاد الغرب أن على حاكم البلد، سواءً كان ملكاً أو امبراطوراً أو حتى رئيساً، أن يكون كبيراً في السن، أو بالغاً على الأقل. فعلاً، نستغرب كيف كان هذا الفرعون قادراً على حكم أمة عريقة كمصر في منطقة مليئة بالاضطرابات!
بالطبع، لم يكن (توت عنخ آمون) الوحيد الذي حكم وهو صغير، فعندما كانت مصر جزءاً من الامبراطورية الرومانية، أصبح (بطليموس الثالث عشر) فرعوناً عندما كان في الـ 11 أو الـ 12 من عمره، لكنه أُصيب بالغيرة من شقيقته (كليوبترا) وطُرد من مصر.
هناك أيضاً الامبراطور الروماني (إيل جبل Elagabalus)، الذي تسلّم مقاليد الحكم عندما كان في الـ 15 من عمره، ولا يمكننا تجاهل حجم واتساع الامبراطورية الرومانية وقتها. هناك أمثلة أخرى من التاريخ، لكننا لا نريد تحويل الموضوع عن شخصيتنا الرئيسية.
كان والدا (توت عنخ آمون) أقرباء، وهو أمرٌ شائع في تلك الفترة، ولدى الكثير من العائلات الملكية في أوروبا سابقاً، والسبب وراء زواج القربى هو الحفاظ على نقاوة الدم والسلالة. لكن زواج القربى يحمل الكثير من المشاكل معه، فغالباً ما يعاني الأطفال المولودون من التشوهات والإعاقات العقلية، أباطرة وملوك أوروبا قبل الحرب العالمية الأولى، خاصة آل (هابسبرغ)، هم أكبر مثالٍ عن عواقب زواج القربى. وعندما يكون وريث العرش غير مؤهل للحكم، ستنشأ الاضطرابات ويحكم ملوك بالنيابة عنه، حدثت هذه الظاهرة عدة مرات في التاريخ الأوروبي.
للأسف، هذا ما حصل مع الفرعون المصري (توت عنخ آمون)، حيث كان ضحية لزواج القربى. كانت طريقة الزواج هذه شائعة في مصر، فكان الفراعنة، في أغلب الأحيان، يتزوجون من أفراد عائلتهم. هناك (كليوباترا) التي جاءت من هكذا زواج، ويُقال أن هذا ما جعلها قبيحة المظهر بعض الشيء، على عكس ما يتخيلها المرء، فغالباً ما يُشار إليها على أنها حسناء أو جميلة، وهذا غير صحيح.
في معهد المومياءات (المومياوات) والمستحاثات المحفوظة في الثلج في إيطاليا، أجرى الباحثون عدداً من الاختبارات على الحمض النووي للمتقدرات –المتقدرات هي عُضيات دقيقة موجودة داخل سيتوبلازما (هيولى) الخلايا الحيوانية والنباتية، وهي مسؤولة عن توليد الطاقة في الخلايا –الخاص بـ (توت عنخ آمون) لتحديد ما إذا كان الصبي مولوداً من زواج القربى. للأسف، أوجدت التحاليل والنتائج أن والده ووالدته شقيقان، أي أن عمته كانت أمه ووالده كان خاله!
وبالحديث عن والدة (توت عنخ آمون)، فهناك تقليدٌ راج في تلك الفترات، وهو زواج الفرعون بعدد من النساء، كالحريم مثلاً، بالإضافة طبعاً إلى نساء المتعة والمحظيات والزوجات ”الرسميات“. فكان للملك سليمان الإسرائيلي ما مجموعه 700 زوجة ومحظية. وهكذا، يبدو تحديد هوية والدة (توت عنخ آمون) أمراً شبه مستحيل مع غياب أي دليل يقودنا إليها.
لكن بالعودة إلى التاريخ، فنحن على دراية بزوجة (أخناتون) الشهيرة (نفرتيتي)، لكن من غير المعروف تماماً إذا كانت (نفرتيتي) هي والدة (توت عنخ آمون). وحتى لو كانت كذلك، فـ (نفرتيتي) تربطها علاقة قرابة مع (أخناتون)، ولكنها ليست شقيقته بكلّ تأكيد. هناك تحاليل وأبحاث تعتمد على DNA تدعي أن (نفرتيتي) قد تكون والدة، لكن تلك المعلومات المتضاربة جعلت تحديد هوية الوالدة غير معروفة وغير مؤكدة.
مشلول ومريض بالملاريا
بصرف النظر عن الوالدة الحقيقية للفرعون (توت عنخ آمون)، من المؤكد أنه عانى من عدة أمراض نتيجة زواج القربى بين والديه، وليس كما يصوّر اليوم، أو حتى في عهد الفراعنة، على أنه ذلك الشاب السليم الذي يعشق سباق العربات. أُصيب (توت عنخ آمون) بعدد من التشوهات، وعانى من الملاريا الشديدة التي زادت اضطراباته الجسدية.
في الحقيقة، وبعيداً عن تصوير المصريين القدماء لفرعونهم، لم يشارك (توت عنخ آمون) في سباق العربات، أو بالأحرى، لم يكن قادراً على المشاركة في تلك سباقات. حيث عانى الفرعون من الجنف وتشوهات في القدم، والتي منعته حتى من السير أو المشي بنفسه، لعلّه كان يعاني آلاماً مبرحة.
من المتوقع أيضاً أن للفرعون وروك (جمع ورك) نحيلة جداً، كما عانى أيضاً من تراكُب العَضَة (حالة من حالات سوء إطباق الأسنان) ودرجة شديدة من الصَرَع. بالطبع، لن يقوم المصريون القدماء بتصوير فرعونهم كإنسان ضعيف، بل أحاطوه بهالة من الإلوهية ودفنوه بطريقة تليق بمنزلته، لكن من المتوقع أن مظهر (توت عنخ آمون) لم يكن جميلاً على الإطلاق، بالإضافة طبعاً إلى الآلام والتشوهات التي جعلت حياته جحيماً بلا شك.
عندما اكتشف (هاورد كارتر) وفريقه مقبرة (توت عنخ آمون) في وادي الملوك، وجدوا إلى جانبه أكثر من 100 عكاز وعصي للمشي، ووجدوا أيضاً كرسياً بلا ظهر على الأرجح أن الفرعون استخدمه. كانت تلك الاكتشافات صادمة ومفاجئة، بالنظر إلى كمية الكنوز التي اكتُشفت بجانب الضريح.
تبيّن أن الفرعون استخدم تلك الأدوات بنفسه، فجعلته بنيته الضعيفة غير قادرٍ على دعم نفسه في الحركة والوقوف، وبالإضافة إلى الجنف والتشوهات الأخرى، فلا نعتقد أن الفرعون استطاع السير والمشي لوحده وبدون مساعدة. في الأعوام الأخيرة، حيث توفرت التكنولوجيا اللازمة والمتقدمة، وجد الباحثون عن طرق مسح المومياء مدى تشوه هذا الفرعون، حيث قال أحد علماء الوراثة الذين أشرفوا على مومياء (توت عنخ آمون): ”كان صبياً ضعيفاً وعاجزاً عانى من قدم أشبه بالهراوة، واحتاج عكازاً حتى يستطيع السير“.
ما المهم في حكمه إذاً؟
كانت فترة حكم (توت عنخ آمون) قصيرة نسبياً، فلم تدم سوى 10 سنوات على الأكثر. ربما لم يكن الفرعون قائداً عسكرياً عظيماً –نظراً إلى التشوهات التي عانى منها والتي جعلته عاجزاً عن المشي حتى –ولم يكن بحاجة لتصوير نفسه كقائد عسكري، فالحروب التي خاضتها مصر مع الحيثيين كانت قليلة وصغيرة. إذاً ما المميز في حكم هذا الفرعون؟ حسناً، سيكون الجواب غريباً نوعاً ما، لكن ما ميّز عصر الفرعون هو كونه عصراً غير مميز! أي لم تجر فيه أي أحداث تاريخية هامة.
غالباً ما يُخلد التاريخ أسماء قادة بسبب حروبٍ انتصروا فيها أو مجازر ارتكبوها أو أحداث هامة جرت في عصرهم. لم يقم (توت عنخ آمون) بكلّ تلك الأمور –على الأرجح، وأبرز ما قام به هو الرجوع إلى الديانة المصرية القديمة القائمة على تعدد الآلهة. فأمر الناس بإعادة بناء المعابد خوفاً من غضب الآلهة. بذلك، استعاد (توت عنخ آمون) التناغم الروحي لبلاده.
زواجه من أخته وأولادهما
كانت (عنخ إسن آمون) ابنة (نفرتيتي) و(أخناتون)، أي أنها شقيقة (توت عنخ آمون). لكنها أصبحت لاحقاً زوجته عندما تسلّم الأخير مقاليد الحكم في العاشرة من عمره، حيث كانت هي في الـ 13 تقريباً. وتبعاً للعادة التي جرت، وفّر زواج القربى بقاء العرش بيد العائلة والحفاظ على سلالة الآلهة النقية. لكن (عنخ إسن آمون) عانت هي الأخرى من تشوهات شديدة ناجمة عن زواج القربى.
تشير الأدلة إلى محاولة (أخناتون) إنجاب أولادٍ من بناته، من بينهنّ (عنخ إسن آمون). وبعدما توفي زوجها الفرعون (توت عنخ آمون)، أصبحت الشابة آرملة بدون وريث للعرش. يُقال أنها تزوجت جدها من عائلة أمها بعدما مات زوجها، بينما يُشير باحثون آخرون إلى احتمال زواجها بوالدها قبل موته، أي عندما كانت في العاشرة ربما. لكن من الواضح أن زواج القربى قد جعل حياتها لا تُطاق.
اكتشف فريق علماء الآثار مقبرة (توت عنخ آمون) وبداخلها العُكاز والكنوز الذهبية، لكنهم اكتشفوا أيضاً ضريحين صغيرين بداخلهما مومياءان لطفلتين رضيعتين، ربما كانتا تؤامين، وهما ابنتا الفرعون (توت عنخ آمون) وزوجته (عنخ إسن آمون)، ومن الواضح أن الطفلتين توفيتا عند ولادتهما.
تشير التحاليل إلى معاناة الطفلتين من عيب خلقي يُدعى ”تشوه سبرينغل“، وهو عيب خلقي في الهيكل العظمي يعاني فيه المريض من تموضع خاطئ للوح الكتف –أي يكون موقعه أعلى من نظيره في الجهة المجاورة –وغالباً ما يصاحبه تشوهات وعيوب أخرى، فهو شائع عن الأطفال الذين يعانون من السِنسِنة المشقوقة (انغلاق غير كامل للأنبوب العصبي لدى الجنين، بحيث تبقى بعض الفقرات مفتوحة والحبل الشوكي بارزٌ منها) والجنف وغيرها… فالأفضل إذاً وفاة الجنين في تلك المرحلة، وإلا سيعانى آلاماً شديدة جداً. هذا ما يحصل في حالات زواج القربى، وهو ما حصل عند الكثير من العائلات الملكية.
أدت تلك الإعاقات والعيوب إلى وفاة الفرعون بدون وريث للعرش. وهكذا استلم مستشاره (آي) –الذي يُقال أنه جده أيضاً! –الذي حكم لفترة قصيرة وجاء بعده الفرعون (حورمحب)، آخر فراعنة الأسرة المصرية الثامنة عشر، حيث انتهت السلالة بعد وفاته، ولربما استطاعت البقاء سنوات وعقود من الزمن بدون زواج القربى.
ما أسباب وفاة توت عنخ آمون؟
على مر السنين، ظهرت عدة نظريات تقترح أسباب وفاته. اقترح بعض المؤرخين أسباباً درامية، كاغتياله على يد خليفته (آي)، أو ربما (حورمحب). ربما لم يوافق البعض على إصلاحاته الدينية وأرادوا استكمال عبادة الإله (رع) بدلاً من تعدد الآلهة. وربما اغتيل عن طريق السم أو جراء ضربة على الرأس. لكن الدراسات الجديدة تشير إلى سبب وفاته الحقيقي، والذي قد يكون ناتجاً عن إصابة في الساق.
كان الفرعون غير قادرٍ على السير بدون مساعدة نظراً للأمراض والعيوب التي عانى منها، أي ربما توفي الرجل جراء كسرٍ في الساق. فزواج القربى مسؤول عن ضعف الجهاز المناعي للفرعون، ولم يتمكن من مجابهة الأمراض والحالات الطبية الشائعة والبسيطة، والتي من المحتمل أنها أصابته بعد كسر ساقه. لكن كيف كسر الفرعون ساقه؟ ربما دفعه أحدٌ ما وسقط أرضاً، الاحتمالات هنا مفتوحة.
لكن هذا ليس كلّ شيء، حيث يعتقد بعض الباحثين –الذي لم يقبلوا فرضية بسيطة ككسرٍ في الساق –أن الفرعون توفي جراء حادثٍ أثناء سباقات العربات. فكانت تلك السباقات تؤدي إلى حوادث كثيرة في تلك الفترة، فربما دهست إحدى العربات الفرعون، أو قلبت عليه.
لكن كما أوضحنا سابقاً، لم يتمكن الفرعون من الوقوف والسير بدون عكاز، فكيف سيتمكّن من المشاركة في سباق العربات؟ أجرى الباحثون ما يُسمى بـ «التشريح التخيلي» على مومياء الفرعون عام 2014، ووجدوا الكثير من العظام المكسورة والتي من المرجح أنها كُسرت بعد وفاته خلال عملية التحنيط. فمن المرجح أن عظامه كانت ضعيفة جداً وهشة لدرجة أنها كُسرت بسهولة بعد الوفاة.
لكن النظرية الأكثر احتمالاً هي وفاته إثر إصابته بالملاريا قبل تعرضه للكسر، فهكذا لم يستطع مقاومة المرض، وتوفي جراء عدوى بسيطة.
مقبرة توت عنخ آمون، أفضل مقبرة سليمة عُثر عليها في المنطقة
عندما انتهت الحرب العالمية الأولى، بدأ عالم الآثار (هاورد كارتر) عام 1917 بعثته الاستكشافية في وادي الملوك. كان الرجل يبحث عن مقبرة لا يعلم حتى إذا كانت موجودة أم لا، كان يبحث عن مقبرة صبي حكم بعد وفاة (أخناتون). في الرابع من شهر نوفمبر عام 1922، عثر (كارتر) وفريقه على درجٍ حجري حُفر في قلب إحدى الصخور. فأكملوا الحفر حتى اكتشفوا مقبرة الملك والفرعون (توت عنخ آمون).
لم يدخل أحدٌ إلى المقبرة لأكثر من 3000 عام. وعندما فتح (كارتر) الباب، هبّت نفحة من الهواء الساخن، المُحتبس ضمن المقبرة لأكثر من 3000 عام! ووجد على الجانب الآخر من الباب حجرة غير ملموسة على الإطلاق، احتوت على تماثيل للملك بحجمه الطبيعي وأجزاءً من عربات المصريين المشهورة وحيوانات ذهبية وكنوز أخرى من عهد مصر القديم. ذُهل العالم من هذا الاكتشاف، حيث تعرّضت عدة مقابر إلى النهب والسرقة على مر الزمان، لكن مقبرة (توت عنخ آمون) لا تزال كما هي.
أما عن القصص التي تتحدث عن لعنة الفراعنة، وأن مقابرهم مسكونة بأرواحهم التي تعود إلى الحياة وتقتل من تعثر عليه، فتلك قصص شائعة جداً. لكن من أين أتت تلك الأفكار والقصص؟
بعد اكتشاف وفتح مقبرة (توت عنخ آمون)، ساهم السير (أرثر كونان دويل)، مؤلف السلسلة الشهيرة «شيرلوك هولمز»، في نشر الفكرة القائلة أن اللعنة تنتظر كل من يزعج مقبرة الفرعون. لكن بعد بضعة أشهر من ذلك الاكتشاف، توفي ممول الحملة الاستكشافية، اللورد (كارنرفون)، بشكل مفاجئ. توفي أفرادٌ آخرون من الحملة في ظروف غامضة أيضاً، وعن هذا الحد، أصبحت قصة لعنة الفراعنة واقعاً لا أسطورة.
لكن لنضع النقاط على الحروف: توفي السير (دويل) جراء مرض ناجمٍ عن عضة بعوضة، كما عانى من مشاكل صحية في العقدين الأخيرين. أما أعضاء البعثة الآخرون، الذين توفوا في ظروف غامضة، فعاشوا حياة طبيعية، وعمّروا حتى المدى العمري المتوقع في تلك الفترة من التاريخ، خاصة بالنسبة لرتبتهم الاجتماعية. نستنتج من ذلك أن الأمر برمته مجرد خدعة أو أسطورة تغذت عليها مخيلة العامة ونسجت منها حكايات وقصص.
قد تحوي مقبرة الفرعون على حجرة سرية أخرى
أدرك عالم الآثار (هاورد كارتر) أن اكتشافه سيكون عظيماً جداً، خاصة أن المقبرة لا زالت سليمة بشكل شبه تام. لكن اليوم، يتبين أن قبر الفرعون لا زال يحمل الكثير من الأسرار. أُجري مسح حراري على حجرة الدفن عام 2015، وظهرت تغيرات طفيفة في درجة الحرارة على أحد الجدران. يفيد هذا الاكتشاف بوجود حجرة أخرى على الجانب الآخر من الغرفة، وتلك الفكرة تتفق كثيراً مع نظرية اقترحها (نيكولاس ريفز) عام 2015 عن كون الملكة (نفرتيتي) دُفنت في المنطقة ذاتها التي دُفن فيها الفرعون (توت عنخ آمون).
كشفت الدراسات الأحدث وجود حجرة سرية تحوي بقايا الملكة (نفرتيتي)، ووجد الباحثون أن القبر بُني خصيصاً لها. لمّا يُعثر على قبر الملكة، التي كانت زوجة والد الفرعون وربما والدته. كانت (نفرتيتي) إحدى امرأتين حكمتا مصر في عصر المملكة الجديدة. لذا يُعد اكتشاف قبرها أمراً بالغ الأهمية، ويُعتقد أن قبرها موجود في مكان قريب، ربما على الجانب الآخر من جدار أكثر الحجرات شهرة وزيارة في العالم، وهي الحجرة التي تحوي قبر (توت عنخ آمون).
جميعنا شاهدنا صورة الملك (توت عنخ آمون)، سواءً في المدرسة أو على التلفاز، فهو أشهر شهصية من تاريخ مصر القديمة، خاصة لحيته وقناع الدفن الذهبي الخاص به. لكن في عام 2014، كَسر مجموعة من المصريين، عن طريق الخطأ، اللحية عن قناع المومياء. حاول الأشخاص إخفاء هذه الحادثة عن طريق استخدام لاصق إيبوكسي لإعادة اللحية إلى محلها. وكي يزيلوا آثار اللاصق المتبقي، استخدموا في عمليتهم أدوات حادة كالمباضع، مما أدى إلى خدش تلك اللحية التي لا تُقدر بثمن!
ادعى الباحثون المصريون أن اللحية سقطت عندما كانوا ينظفونها. بينما ادعى آخرون أنها سقطت جراء عوامل الزمن وتعرضها للكثير، بالطبع، لم تمرّ تلك الحادثة بدون عقاب، حيث أُدين المصريون المسؤولون عن هذه الحادثة بتهم إهمال الكنوز الوطنية. أصلح فريق ألماني–مصري بعض الضرر، واستخدموا شمع العسل –وهو اللاصق المناسب للقطع الأثرية –كي يربطوا اللحية بالقناع الذهبي.
لا يمكن لهكذا كنز شديد الأهمية أن يضيع من يد الحضارة البشرية. ربما لم يكن (توت عنخ آمون) ذلك القائد بالغ العظمة، لكن المزيد من الاكتشافات قد توصلنا إلى المزيد من النتائج، وبالتالي التعرّف على التاريخ بشكل أدق وأصح.
TTT